نص النجدة والشهامة للاديب الاستاذ احمد المقراني

النجدة والشهامة ــ عندما تقدم المواعظ والدروس من ثور الجاموس
صاحت من الحيف والتحقيـر والألـم°°°وا.. ذا القرنين والإقــــدام والهمــــم
ناب من الوحش هد العزم في فخـذي°°°واحسرتاها الحريم أضحت من اللُّقـم
وكررتها مرارا شبح اليأس يعصرها°°°وجسمــها بين كـف مخـلـــب وفـــــم
ومن بعيد صغى المقـــدام صيحتـــها°°°فطار في عجـــل للبحـث في الأجـــم
ولاحت الحرة الهيفــاء في ضـــــرع°°° والوحش ينهشــــها يزداد في النهــم
يا للشجـاعة والإقــــــــــــدام يمنحها °°°رب البـــــرية للأبطــــال ذي الشـيم
تقدم القـــــــرم والأقــــــدار تبعثـــه °°°نحــــو المغير ومــن بالناب في ألـــم
فهــــزّه هــزة هـــــــــــزّت مفاصـله°°°وزاد ثـانيـــــة أدت إلــــى العــــــدم
وأنهض حينها بالفــــــخر حرمتـــــه°°° وهكــــذا ما نـــرى من أرفع القـــيم
فهل تأسى بنـو الإنسان حيـن يــــرى°°° روائع الخلق في الغيـر من الأمــــم
البـــــأس ما بيننـــا في نحــــر أمتنــا°°°نهر الدمــــاء سحا بالقتـــــــل والألم
ضلت طرائقنــــــا خـــارت عزائمنا°°°إلا القليـــــل سمــــا يعـد في اللمــــم
نرفــع أكــــــف الدعـــــاء لله خــالقنا°°°:وسع بــــه ضيقنـا يــا واســع النعـم

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
قال تعالى:وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون. سورة الأنعام آية38.
النجدة والشهامة وإغاثة الملهوف من أرقى الصفات واجلها،ولم تقتصر على بني الإنسان،بل هي صفات تجاري الحياة وتحرسها وتؤمنها وتكملها، صفات هي بمثابة الجص والإسمنت الذي يشد البناء ويجعله قويا عتيدا ،صفات ترفع من اتصف بها وتخلد ذكره وتبقى تثني عليه وتمجده أمد الدهر،وما نداء :وامعتصماه الذي اطلقته المراة الملتاعة تطلب النجدة من ولي الأمر الذي لبى نداءها، وكان الظهير النبيل لها ولطلبها واستغاثتها،إلا أمانة يلزم الأحرار بأدائها. هذا النداء الذي بلغنا وتردد في أسماعنا ولا زال رغم بعده عنا في الزمان والمكان .
للأسف نرى مثل هذه الصفات تنكفئ اليوم، ويرين عليها صدأ اللامبالاة، وتتجه لتصبح أثرا بعد عين، ونحن نرى إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها يتعرضون للقتل والتهجير والجوع ، ذنبهم أن لهم عقيدة ووطن وحق يدافعون عنهم، ولا من معين ولا من مسعف ولا من نصير.
وعلى العكس من الإنسان الذي تخلى عن صفاته المحمودة آنفة الذكر،نرى الحيوان من أصغر مخلوقاته إلى أضخمها وفيّا لتلك الصفات، وتتركز أكثر وتقوى بين أفراد الجنس الواحد إلى التعاون والتكافل بين أجناس مختلفة.
المثال الذي وددت أن أسوقه هو واحد من بين آلاف الأمثلة التي تبين التزام الحيوان (رغم ما يقال عنه) بالصفات المذكورة لدرجة الإعجاب والإعجاز.
بقرة الجاموس تزهو بوليدها تحرسه وتدلـله، فاجأها قسورة وأراد اختطاف العجل، إلا إنها وقفت تذب عن وليدها الكاسر المغير، وتقف حائلا بينه وبين فلذة كبدها، وبمعجزة استطاع العجل في خضم العراقيل التي وضعتها الأم أمام الوحش المهاجم أن يلتحق بالقطيع ويترك الأم في مواجهة الخطر لوحدها مما جعل الوحش يتغلب، ويقود الضحية إلى ركن من الغابة، ويظن أنه ظفر بصيده،وجه لفخذها عضة شلت مفاصلها فسقطت ليطبق فكه على رقبتها ويقطع نفسها ،ورغم ذلك استطاعت أن ترسل نداء النجدة في شكل صيحة ارتجت لها إرجاء الغابة وكررتها. القرم ذو القرنين الذي افتقدها، وتحير لغيابها ورأى العجل قلقا مضطربا، اهتز لسماع صوتها ودون تأخير اتجه صوب الصوت، وهو مصمم على النصر أو الموت لأنه يعلم ما بها، اشتد غضبه وثارت حميته لما رأى الوحش جاثم على ضحيته ماسكا برقبتها ينتظر توقف نبضات قلبها، وهي تئن وتتألم وتتطلع لمن ينقذها.تقدم ذو القرنين بخطى ثابتة وقلب لا تغيره الخطوب ولا يعرف الجزع،وبقرنه الأيمن بادره وفاجأه هزه هزا مزلزلا في الهواء ليسقط على لأرض، فيتلقفه القرن الأيسر دون انتظار منغرزا في أحشائه رافعا إياه إلى أعلى في ذلة فيها المغير هلك،اتجه الثور بعد المأثرة التي سيخلدها التاريخ كما احكي عنه اليوم ،اتجه نحو البقرة ليطمئن عليها ويطمئنها بأنه إلى جانبها.وليكون مصدر فخر لكل من يأبى الظلم ويدافع عن المظلومين.وليسجل موقفه البطولي بأحرف من نور في سجل التاريخ.نُصاب بالدوار والدهشة والصدمة لو رأينا الثور يتجه للبقرة ويغرز قرنيه في أحشائها (كرما لعيون الأسد وتسهيلا لمهمته وتزلفا لغرض يحفيه) وهو الموقف الذي مثله بعض قادتنا مع فلسطين الجريحة ومقاومتها وغيرها من القضايا التي تتطلب النجدة والغيرة،والغريب أننا لم نستغرب ذلك لأننا نعلم نذالة وحطة فاعليها مسبقا،إذ لم يكتفوا بالسكوت بل عملوا على مساعدة العدو بكل ما استطاعوا:الاعتراف والتطبيع معه وتشجيعه على مزيد الإمعان في غلوه،كإغراق تحصينات وأنفاق المقاومة ودشمها بالماء لعرقلة نضالها ومنع إيصال المعونات الغذائية والطبية وغيرها للمحاصرين،ورصد تحركات المقاومة والتبليغ عنها بالتخابر والتنسيق الأمني والتضييق.البعض بالغ في الغي فأحضر الكلب المسعور ووضعه على حدود جيرانه ليخيفهم به .
وبعد كل هذا لنتساءل: وما ذنب شعوبنا اليوم التي تعاني من الخوف والجوع والموت واللااستقرار والتشريد وهدم الديار.أليس لذلك الكلب دورا في ما يحدث خاصة وقد لقي العناية والتشجيع الأدبي والمادي من البعض فصال وجال وارتكب المحال
وبعد كل هذا وذاك نعود لبطل موضوعنا، ونقول:ألا يحق لنا ان نتمنى على الله أن يمنحنا شيئا من الشهامة وفضيلة النجدة والشجاعة ورباطة الجأش والغيرة على الحق المهدور ومقاومة الظلم والظالمين وروح التضحية والفداء التي وهبها للثور البطل الحر.
آه لو مُسخنا ثيرانا مثله لنقدم للأمة مآثر تذكر فتشكر ونتعلم كيف نسجل أسماءنا في سجل التاريخ. °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الرجال مواقف ومعادن وقيم (تكملة الموضوع.)
لم تعدم أمتنا المواقف المشرفة ففي 5 يونيو 1967 ، بعد استقلال الجزائر بخمس سنوات ،و أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على مصر، إتصل الرئيس عبد الناصر بالرئيس هواري بومدين هاتفياً قائلاً : " لم يبقَ من أسطول مصر طائرة واحدة سليمة ، أرجو أن تُرسل لي بعض الطائرات "
فأجابه بومدين : " كلُ ما تملكه الجزائر 47 طائرةَ حربية هي لك ، أرسل طيارين مصريين لاستلامها لأن الطيارين الجزائريين مازالوا في بداية تدريباتهم " .
في الغد طلب السفير الأمريكي بالجزائر مُقابلة الرئيس بومدين لتبليغه رسالة من الرئيس الأمريكي . وحين استقبال بومدين له قال السفير الأمريكي : " لقد كلّفني الرئيس الأمريكي أن أنقل إليكم بأن حكومته لا تنظُر بعين الارتياح إلى إرسال الجزائر لطائرات حربية لعبد الناصر " .
فأجابه بومدين بتلك الأنفة التي صنعت أسطورته : " أوَّلاَ انتهى ذاك الزمن الذي كانت فيه أمريكا تأمر و البلدان الصغيرة تُطيع . . ثانياً انتهى وقتُ المقابلة !" .
لا ينسى له التاريخ أيضاً موقفه القومي ، عندما احتاجت مصر لتجديد عتادها العسكري بعد نكسة 67، فقد سافر مع الزعيم عبد الناصر رحمهما الله إلى الاتحاد السوفييتي، يومها قال بومدين للروس "كلّ ما تطلبه مصر من سلاح يُعطى لها وتُرسل الفاتورة الى الجزائر "وكان لمصر جمال عبد الناصر يد المساعدة للثورة الجزائرية ماديا ومعنويا .واليوم تمد الجزائر يدها إلى تونس من أجل تخفيف وطأة الجائحة ومع ذلك يبقى عامل النجدة والإسعاف منقوص يحتاج لمزيد التركيز .
بومدين أيها العظيم . اشتاقت لك العروبة .
رحمك الله وشكراً لمرورك النبيل الأبيّ بتاريخنا العربي .
                                                   أحمد المقراني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة (سبحان الذي سواك) للشاعر ابو مظفر العموري

قصيدة (إذا) للشاعر احمد عبد الحي

نص بعنوان( ليلة القدر في الشعر العربي) للد. بابكر مجذوب محمد